gravatar

قصيدة تمتمه/ للشاعر مشعل العبد الله/ السعودية

  

 قصيدة تمتمه
 للشاعر مشعل العبد الله/ السعودية

ادري ان الدرب مظلم.. والليالي مظلمه
والضرير يضيق شوفه.. بس قلبه ما يضيق..!!..

وادري ان الصبح تايه والآماني مُبهمَه
وادري اني لاغفيت بعشق لا يمكن أفيييق..

يالحبيبه ذاك درب ٍ في هوانا نرسمَه
صعب يدري به عدوّ.. وصعب يصمد به رفيق..!!..

يوووم يهزمنا الضياع.. ويوم نقوى نهزمه
يوم يلبسنا الهدووء.. ويوم نشعلها حريق..

طاري الفرقا يسوق الدمع وارجع واكتمَه
لا قويت اصبح شجاع.. ولابغيت اصبح غريق..

اعذريني.. بيت فرْحي في غيابك بهدمه
بابه الليل الفزيع.. وسقفه الجرح العتيق..

ضاع قلبي بالبياض.. وضاع وقتي بآعتمَه
بس لا قلتي صمدنا..!!
.. قلت لين آخر طريق

السؤال اللي ينغّص كل حلم ٍ نحلمه
هل يليق إنّا نكف الوجد.. والا ما يليق..؟!!
..

والجواب اللي تفرعن بالحنايا.. ماقدمَه
قال: لا لا لاتحمّل لهفتك مالا تطيق..

صووت بُعدك ما يقطّع.. بس وصلك تمتمَه
بحّتك تمطر بسمعي.. يوم رحتي جف ريق..!!..
  
وييين اسوولف للصديق..!!.. وخاف افضفض واظلمَه
كثر الله خير خيره.. بس لو يبقى صديق

والا انا همّي واعرفه.. وابتدي به واختمه
مبدأي اصبر وتظفر بالورود.. وبالرحيق
  
وادري ان الدرب مظلم.. والليالي مظلمه
  والضرير يضيق شوفه.. بس قلبه ما يضيق..!!


تابع القراءة "قصيدة تمتمه/ للشاعر مشعل العبد الله/ السعودية"
gravatar

علي مغازي/... هو ذلك الذي يدّعي أنه يكتب لأنه لا يريد أن يكون إلا نفسه، لا يتبّشه خشية أن يتشوّه، يستثمر لغته في الهامش، يراهن على الطرق المسدودة، ويختار المكان الأقلّ توقعا، هناك "في جهة الظل" حيث يمتعُه عادةً أن يتسلّى بمنظر الأقمار وهي تبدو على طاولته في هيأة صراصير مقلوبة، ويتأمّل بازدراء منظر الحشود وهي تهرول إلى "جنة السيرك"، حيث يهنأ بحياته المثقف الدّاجن والسياسي الأجير والمعارض المذعن المكلّف بتزيين الواجهة والشاعر المُملى عليه والمفكِّرُ المُفَكَّرُ له والمواطن المتذاكي الحذق الملم بشروط اللعبة. صدر له "في جهة الظل" 2002، عن اتحاد الكتاب الجزائريين. و"حبيباتي" عن دار "ميم" للنشر 2009. ولدت فعليا في 28 يناير 1970، بمدينة صغيرة تسمى "الدوسن"، جنوب الجزائر، وأعيش فيها اليوم مع عائلتي الصغيرة، وهي تشبه كثيرا مدن الريف العراقي، وأهلها بسطاء وطيبون. بدأتُ الكتابة منذ عشرين عاما، وسأكتب لعقود أخرى، ما لم يخذلني قلبي، لأن الكتابة جوهر وجودي، وهي الحياة الموازية، أواجه بها الواقع.. الواقع الذي أقرأه في كل لحظة، وأعد لإمكانيةِ أن أكون جزءً واعيا من تهديد محتمل للمنظومات التي تحكمه اليوم. لديّ مجموعة شعرية أسعى لنشرها قريبا عنوانها "وضعية زرقاء". إضافة إلى أعمال سردية مركونة في أدراجي.

تابع القراءة " "
gravatar

لبنان ينتصر على وحش البشاعات...




حيثما تُولّي وجهك في لبنان فثمّة ذراع لأخطبوط الوراثات الزعاماتية العائلية والإقطاعية يمتدّ حولك. وهكذا لا يكونُ بوسعك إلا الاستسلام باخْتيار موقعك مع أحد الصّفوف أو الهروب بجلدك إلى فضاءات تسعُ روحَك المحلّقة.

وظلّ الفنّ رئة إضافية تمنح لبنان، هذا البلد الجميل، فرصة لتنفّس الهواء النّقي بعيدا عن عصبية الوراثات وصراعاتها التي تنتهي غالبا بإطلاق النّار في الشّوارع، أو الشّتائم عبر الميكروفونات، أو التّهم بين أروقة المحاكم حتى الدولية منها.

دائما كان لبنان ساحة لمعركة أو ساحة تؤدي إلى معركة. وكان الضّجيج يملأ الدنيا. فجأة ارْتفع صوت رقيق حالم يقول لنا: "فلْنصمتْ ولْنسمعْ فيروز". عبارة أطلقها فنّانون وعشاق للفن، وشابّات وشباب لبنانيون متجاوزون بالحب مللهم، وبالخير والجمال أعراقَهم، وبالفنّ المتفتح الرّاقي طوائفهم. وقفوا جميعا وسط بيروت معلنين احتجاجهم بصمت على القرار القاضي بمنع الفنانة فيروز من عرض مسرحية "يعيش يعيش"، استنادا إلى دعوة قضائية رفعها "ورثة منصور الرّحباني" ضدها متذرعين بما يسمى "حقوق الملكية الفكرية" حفاظا على "إرث والدهم".

إنه الإرث مرة أخرى ومنطق الوراثات، حاول أن يمتدّ إلى ساحة الفنّ النّقي فقطعه حاملو شعار "فلْنصمتْ ولْنسمعْ فيروز". قطعوه خشية أن يضاف إلى أذرع الأخطبوط الحاقد على أكثر المدن العربية أنوثة؛ بيروت الفيروزية.

صباح الخير لبنان... فليصدحْ صوت فيروز، ولْيصمتْ ضجيج هؤلاء الذين أرادوا إسكاتها ومنْعها من الغناء بقرار أصدرته محكمة وتفوّه به قاض متسلّح بقوانين لم يستطعْ فرضَها على زعماء الحرب فجاء ليفرضها على "جارة القمر".

وتحقّقَ الحلم وعادتْ فيروز.. عادتْ سيّدةُ الدنيا إلى بيروت، فاسْتعادت بيروت تاجَها وصارت سيدة العواصم من جديد. وكان الحفل التاريخي قبل أسبوعين تقريبا في مسرح "البيال"، حيث انتصر لبنان على وحش البشاعات وأشرق بوجهه الشفّاف الحالم.

يحيا الفن الراقي ويحيا لبنان، يسقط أخطبوط الوراثات الزعاماتية العائلية والإقطاعية.

تسقط أغلفة المجلات المحجوزة مسبقا لنجمات الابتذال والإغراء والعري المسطّح.

يحيا الصّدق والنّقاء والبراءة، يسقط الزيّف والبريق والمرح القميء.

تحيا شفافية فيروز.. تسقط الأثوابُ الشفّافة، والشفاه المكبرةُ، ومكبّرات الصّوت.. والصّوت المُعَالَجُ في حناجر فنّانات السيلكون.

علي مغازي /الجزائر


تابع القراءة "لبنان ينتصر على وحش البشاعات..."
gravatar

لطيفة رأفت "توحشتك بالزاف"

للشموس أشعتها البرتقالية وللأشجار تنهداتها وأنا راع ينصت للحن خفي على تلّة بعيدة.

لطيفة رأفت؛ وجه مغاربي يطل من شفيفة عسل...

لطيفة رأفت؛ خيرات من النعاس الكرزي الآسر تكتنزه عينان نظراتهما كالنّور الذي يأتي من خلال الزجاج الأخضر.

لطيفة رأفت؛ وميض يتدفق مع كل ابتسامة. أراجيح تتزاحم فيضيق بها الحال عند الخصر، وتقصر لها المسافات عند الأكمام. فرح يكمن في ـ ما تخفيه فتحة القفطان من الساق لتظهره أكثر...

لطيفة رأفت؛ أجمل فراشة تطير ملونة في الشمس... امرأة استثنائية بعيدة المنال، تضع النار في دمنا وتمضي...

القرط الطويل قطرة ماء تمد عنقها لتشرب، رنين خفي يرعى ثريات وهمية على الكتف، شرود منتبه.

أيتها الألوان المغمضة علي أسرارها اغمزي أريد أن أرى...

أيتها الأمشاط انسدلي أريد أن أسرح...

أيها القرط تقدمْ إلى أذنيها أريد أن أسمع...

لطيفة التي تشرفّت الدنيا باستقبالها سنة 1965 بمدينة "القنيطرة" المغربية، هي تاج على رأس الفني المغاربي، عندما تغني يصبح للنغمة ظل؛ الظل مرآة النور.

علاقتها بصوتها كعلاقة الشمسيات والقمريات في القصور الأندلسية بأشعة النور.

"خويي خويي"، "مغيارة"، "أنا في عارك يا يما"، "كيف رايي بهملني"، "علاش يا غزالي"، "توحشتك بزاف"... تحف فنية بنكهة مغاربية خالصة... تعبق بالسحر العربي الأمازيغي وتذكرنا بالعشب والنخيل والغيم والصحراء ورائحة التراب، وتعيدنا إلى فردوس البراءة والطفولة والنقاء؛ حيث كنا ندندن "لالة لميمة بطيتي مجيتيش"، ونترنم بأغنية "يا ربي سيدي وش عملت أنا بوليدي*ربيتو بيدي وادّاتو بنت الرومية.

بنت الرومية والمتمسحون على أعتابها يخططون لاقتلاعنا من هويتنا وثقافتنا المحلية، لكن لطيفة الرائعة تقاوم مع عظيمات المغرب العربي هجمة رأس المال المأجور الذي يستهدف ثقافتنا وهويتنا تحت مسميات واهية.

أحبك يا "لطيفة رأفت" وأتعلم منك...

بقلم علي مغازي / الجزائر
تابع القراءة "لطيفة رأفت "توحشتك بالزاف""
gravatar

حذاء رفيع المقام وقدم ملعونة

لا أتذكر من سبتمبر 1977 سوى أنني ارتديت أول حذاء في حياتي، باستعمال ذراع ملعقة. فقد اشتراه لي والدي قبل أسبوع من اليوم الذي نحن بصدد الحديث عنه، وأمرني أن أغسل قدمي قبل أن أقيسه، ثم انصرف. شعرت بفرح شديد حتى دمعت عيناي. أخذت الحذاء من العلبة، شممت رائحته وربتّ عليه بكل حنان ورقة وكأنني أشكره على قبوله النزول من علياء رفه إلى هذا الشيء القبيح المسمى قدميّ، اللتين شعرت ساعتها بالشفقة المزرية نحوهما مستكثرا عليهما نعمة هذا الحذاء الرفيع المقام. فارتباطه بهما يعدّ إهانة لا تُغتفر. بدأت بوضع قدمي اليمنى في فردة الحذاء لكنني لم أفلح بسبب حجمها غير المناسب. حاولت مع اليسرى فكان الأمر أكثر سوءا. تبا لهما، إنهما تنكلان بفرحتي. خارت قواي فشعرت بحقد عارم نحوهما.

دخلت أمي وسألتني إذا ما كنت قد قست الحذاء. فأجبت بالنفي وكأني غير مهتم بالموضوع. قالت لي:

- هيا افعل حالا، فإذا لم يناسبك سيستبدله لك والدك.

شعرت بأن قلبي يغادر مكانه وأنا أخرجُ الحذاء من العلبة ثانية. شمرت على ساعدي مستجمعا كامل قوتي.. أخذت نفسا عميقا ووضعت قدمي في فردة الحذاء متأهبا، وبحركة خارقة دفعتها فحشوتها بالكامل داخله. كان حذاء سحريا، أسود وذا لمعان مبهج وبه رائحة لا أزال أتذكرها حتى الآن. فعلت الأمر ذاته مع الفردة الثانية متجرعا إحساسي بالألم لضيقه أو بالأحرى لكبر قدمي على حجمه:

- حسنا إن الحذاء مناسب تماما.

قلت هذا لأمي وكنت خائفا أن تتدخل وتقول: "إن الحذاء ضيق على قدمك ومن المستحسن تغييره". هذه العبارة كانت تخيفني جدا، فأنا لا آمن مكر القدر إذ قد يحدث شيء في الدنيا وأخسر الحذاء. وعليه فإن احتمال الألم أهون من المغامرة.

قالت لي أمي:

- هيا قف وتمشّ قليلا لنرى إن كان الحذاء جيدا للمشي

شعرت بحنق شديد على أمي وأقسمت بأغلظ الأيمان أن الحذاء جيد للمشي وحتى للنوم. لكن أمي أصرت على أن أقوم بخطوات لتتأكد من صحة ما أقول. فقمت على الفور لأخطو أولى الخطوات بهذا الحذاء التاريخي. صاحت بي أمي:

- ويلك... لا تتمشّ على الأرض، ضعْ قدمك هنا على الحصيرة وتمشّ حتى لا يتّسخ الحذاء، فقد نضطر لاستبداله

وكانت عبارة "نضطر لاستبداله" تصيبني بالدوار كلما سمعتها، فما كان عليّ إلا أن أقيم الحجة على أمي فوقفتُ، وعدلت من وضع جسمي وأرسلت بواسطة دماغي ذلك الأمر اللاإرادي لقدمي اليمنى بأن ترتكز لتسمح لأختها اليسرى بالتقدم خطوة إلى الأمام. لكن ما حدث أنني تجمدت في مكاني ووجدت نفسي عاجزا عن السير. إن المشي في موقف كهذا ليس فعلا عاديا، إنه امتحان صعب يترتب عليه فوزي بالحذاء أو خسارتي له. يا إلهي ماذا يحدث، أيمكن أن أفشل في نقل قدمي خطوة إلى الأمام؟..

انتظرتْ أمي أن أتحرك لكنني بقيت متصلبا وشديد البلادة. احمر وجهي وتسارعت نبضات قلبي وبدأ العرق يتصبب مني وكأني مصاب بحمى.

- امشي، وش بيك وليدي امشي... هل الحذاء يؤلمك؟

حاولت أن أتكلم فلم يطاوعني لساني، هل أصبتُ بالخرس يا تُرى.. ؟؟.. حاولت أن أستعيد اتزاني وأتشجع لأربح التحدي، لكن بلا فائدة، أنا مسلوب الإرادة الآن... وانفلت في نوبة بكاء شديدة... بكيت بحرقة... ليس بسبب خوفي على الحذاء ولا بسبب الألم، إنها رهبة اللحظة الأولى كما يحدث لشاب قروي ليلة الدخلة.

احتضنتني أمي بحنان غامر وتركتي أبكي للحظات حتى هدأ روعي ونسيت أنني في امتحان. وهكذا مشيت فيما بعد دون انتباه مني فأطلقت أمي زغردة حارة تلقيتها كعريس موفق.

بقلم علي مغازي / الجزائر
تابع القراءة "حذاء رفيع المقام وقدم ملعونة"
gravatar

اليوم.. ترون العجب !!..

لا أتذكر من سبتمبر 1977 سوى أنني ارتديت أول حذاء في حياتي، باستعمال ذراع ملعقة. فقد اشتراه لي والدي قبل أسبوع من اليوم الذي نحن بصدد الحديث عنه، وأمرني أن أغسل قدمي قبل أن أقيسه، ثم انصرف.

شعرت بفرح شديد حتى دمعت عيناي. أخذت الحذاء من العلبة، شممت رائحته وربتّ عليه بكل حنان ورقة وكأنني أشكره على قبوله النزول من علياء رفه إلى هذا الشيء القبيح المسمى قدميّ، اللتين شعرت ساعتها بالشفقة المزرية نحوهما مستكثرا عليهما نعمة هذا الحذاء الرفيع المقام. فارتباطه بهما يعدّ إهانة لا تُغتفر. بدأت بوضع قدمي اليمنى في فردة الحذاء لكنني لم أفلح بسبب حجمها غير المناسب. حاولت مع اليسرى فكان الأمر أكثر سوءا. تبا لهما، إنهما تنكلان بفرحتي. خارت قواي فشعرت بحقد عارم نحوهما.

دخلت أمي وسألتني إذا ما كنت قد قست الحذاء. فأجبت بالنفي وكأني غير مهتم بالموضوع. قالت لي:

- هيا افعل حالا، فإذا لم يناسبك سيستبدله لك والدك.

شعرت بأن قلبي يغادر مكانه وأنا أخرجُ الحذاء من العلبة ثانية. شمرت على ساعدي مستجمعا كامل قوتي.. أخذت نفسا عميقا ووضعت قدمي في فردة الحذاء متأهبا، وبحركة خارقة دفعتها فحشوتها بالكامل داخله. كان حذاء سحريا، أسود وذا لمعان مبهج وبه رائحة لا أزال أتذكرها حتى الآن. فعلت الأمر ذاته مع الفردة الثانية متجرعا إحساسي بالألم لضيقه أو بالأحرى لكبر قدمي على حجمه:

- حسنا إن الحذاء مناسب تماما.

قلت هذا لأمي وكنت خائفا أن تتدخل وتقول: "إن الحذاء ضيق على قدمك ومن المستحسن تغييره". هذه العبارة كانت تخيفني جدا، فأنا لا آمن مكر القدر إذ قد يحدث شيء في الدنيا وأخسر الحذاء. وعليه فإن احتمال الألم أهون من المغامرة.

قالت لي أمي:

- هيا قف وتمشّ قليلا لنرى إن كان الحذاء جيدا للمشي

شعرت بحنق شديد على أمي وأقسمت بأغلظ الأيمان أن الحذاء جيد للمشي وحتى للنوم. لكن أمي أصرت على أن أقوم بخطوات لتتأكد من صحة ما أقول. فقمت على الفور لأخطو أولى الخطوات بهذا الحذاء التاريخي. صاحت بي أمي:

- ويلك... لا تتمشّ على الأرض، ضعْ قدمك هنا على الحصيرة وتمشّ حتى لا يتّسخ الحذاء، فقد نضطر لاستبداله

وكانت عبارة "نضطر لاستبداله" تصيبني بالدوار كلما سمعتها، فما كان عليّ إلا أن أقيم الحجة على أمي فوقفتُ، وعدلت من وضع جسمي وأرسلت بواسطة دماغي ذلك الأمر اللاإرادي لقدمي اليمنى بأن ترتكز لتسمح لأختها اليسرى بالتقدم خطوة إلى الأمام. لكن ما حدث أنني تجمدت في مكاني ووجدت نفسي عاجزا عن السير. إن المشي في موقف كهذا ليس فعلا عاديا، إنه امتحان صعب يترتب عليه فوزي بالحذاء أو خسارتي له. يا إلهي ماذا يحدث، أيمكن أن أفشل في نقل قدمي خطوة إلى الأمام؟..

انتظرتْ أمي أن أتحرك لكنني بقيت متصلبا وشديد البلادة. احمر وجهي وتسارعت نبضات قلبي وبدأ العرق يتصبب مني وكأني مصاب بحمى.

- امشي، وش بيك وليدي امشي... هل الحذاء يؤلمك؟

حاولت أن أتكلم فلم يطاوعني لساني، هل أصبتُ بالخرس يا تُرى.. ؟؟.. حاولت أن أستعيد اتزاني وأتشجع لأربح التحدي، لكن بلا فائدة، أنا مسلوب الإرادة الآن... وانفلت في نوبة بكاء شديدة... بكيت بحرقة... ليس بسبب خوفي على الحذاء ولا بسبب الألم، إنها رهبة اللحظة الأولى كما يحدث لشاب قروي ليلة الدخلة.

احتضنتني أمي بحنان غامر وتركتي أبكي للحظات حتى هدأ روعي ونسيت أنني في امتحان. وهكذا مشيت فيما بعد دون انتباه مني فأطلقت أمي زغردة حارة تلقيتها كعريس موفق.

بقلم: علي مغازي / الجزائر

تابع القراءة "اليوم.. ترون العجب !!.."
gravatar

اكتبوا أفضل لتحصلوا على عناق دفيء

لا أذكر بالضبط أوّل نص كتبته في حياتي، وأعني بكلمة "كتبته" أي (أن حالة شعرية راودتني ثم تشكّلتْ ملامحُها بالتّأمل، ومع الوقت أخرجتها على شكل جُمل أولية متتالية، ثم نقّحتها، وأخيرا دوّنتها على ورقة بيضاء، واخْترت لها عنوانا فكانتْ قصيدة).

لا أتذكّر أبدا أبيات هذه القصيدة. لكنني أتذكّر أنّها كانت (غزلية)، ومن المرجح أن أغلب كلماتها لم تخرج عن القاموس العاطفي المعتاد (الشوق، الهجر، الوداع، الدمع الألم، القلب والمهجة...) وما إلى ذلك.

ومرت الأيام وكتبت قصائد أخرى عن نساء كلهن من صنع خيالي...

في إحدى المرّات التقت عيناي بصورة امرأة رائعة، على غلاف مجلة ملوّنة، كانت شقراء... شقراء إلى درجة العجز عن الاستيعاب، وكان لها عينان زرقاوان وشفتان ورديتان، ونظرة شهية كـ "خبز الدار"، وكانت ترتدي قميصا شديد البياض تدمع له العين. ورحتُ أتأمّلها بعمق لأحصل على حالة "إلهام" تفضي إلى كتابة قصيدة، وأظنّ أنّني نجحت في ذلك. لكنني بلا شك فشلت في جعل تلك المرأة، داخل الصورة، تذرف دمعتين تأثرا بقصيدتي التي ألقيتها عليها، لقد بقيتْ ثابتة ولم تكلّف نفسها مشقّة الخروج من غلاف المجلّة إلى الحياة كما أعيشها.

"أرجوكم لا تخبروا أحدا أنني كنت أعتقد بإمكانية حصول هذا رغم كل التّجارب الفاشلة.

بعد ذلك، صرت أكبر سنا، وفي السّنة الخامسة من تعليمي الابتدائي وقع ما لم يكن في الحسبان، لقد خرجتْ تلك المرأة من الصورة وجاءت إلى مسقط رأسي، بمدينة "الدوسن"، ودخلت مدرستنا واختارها المدير معلمة بالقسم الذي أدرس فيه.

في الواقع لم تكن هذه المعلمة هي المرأة ذاتها التي في الصّورة سالفة الذكر، ولم تكنْ تشبهها. لكنها بالمقابل كانت جميلة، هادئة وعميقة، حازمة ولطيفة، والأكثر من كل هذا، أنها ترتدي قميصا شديد البياض، بينما شعرها ينسدل على كتفيها.

وتهيأ لي أن هذه المعلمة الوافدة حديثا، إنما هي صنيعة تأملاتي، فلولاي لما كانت موجودة في هذه المدينة الواقعة على هامش الهامش.

فكرتُ أن أكتب قصيدة فريدة، أتغزّل فيها بمعلمتي، بعينيها السماويتين وشفتيها الورديتين. ونفّذت الفكرة بكل شجاعة، من دون الحاجة إلى ألهام، ورحت أقرأ قصيدتي لكل من يرضى الاستماع إلي. لكن زملاء لي في المدرسة لا يستلطفونني، أخبروا المعلمة بفعلتي هذه، فاسْتدعتني على الفور. وتحدّثت إليّ بأسلوب لم أعهده من قبل، كان لكلامها وقع السّحر، فاسْتطاعت بأقل جهد أن تسحب مني اعترافا صريحا بما فعلت، ثم طلبت مني أن أقرا القصيدة. وبالفعل قرأتها بصوت متقطّع، والدموع تتزاحم في عيني، ورجلاي ترتعشان وقلبي ينبض بشدة، خوفا مما ينتظرني من عقاب.

وما إن أكملت إلقاء القصيدة حتى تجمّدتُ في مكاني، وأنا أفكّر بسرعة الضّوء في الجهة التي يُحمتل أن تأتي منها الصّفعة،

(هكذا جرت العادة)، لكن الذي حدث هذه المرّة، أن المعلّمة ابْتسمت لي برقّة بالغة، وأخذتني في ذراعيها وضمّتني إلى صدرها بقوّة حتى اشتممْتُ عطرها الدّاخلي.

كان هذا أول عناق حصلتُ عليه بسبب قصيدة كتبتها.

وكانت المرة الأولى التي لم أتعرّض فيها لعقاب عن (خطأ حقيقي) قمتُ به.

ومنذ ذلك اليوم أحببت العطر فسعيت لمزجه بلغتي، وأحببت المرأة فكانت محورا مهما في كتاباتي.

إنني لا أكتب إلا ما يمليه عليه جسد الحبيبة... ولا أقول إلا ما يتفوّه به صمتها ثم... ... أدّعي البلاغة...

اتّضح لي الآن أن تلك المعلمة الرائعة لم تكن أبدا صنيعة تأملاتي. لقد كنتُ أنا صنيعتها في تلك اللحظة.

لقد منحتني ذلك العناق الدافئ الذي أعتبره الآن أول وأفضل جائزة حصلت عليها عن قصيدة كتبتها...

إنها جائزة لم أجرؤ على ذكرها في سيرتي الذاتية.

تابع القراءة "اكتبوا أفضل لتحصلوا على عناق دفيء"

أحدث المواضيع

الأرشيف

سجّل معنا ليصلك جديدنا

.

كن صديقي